ثم ذكر الله تبارك [وتعالى]: جوابَ موسى عليه السلام: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا (١) وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: ٢٠ - ٢١]. هذا جوابٌ عن الأمر الثاني، يقول: إن [ص ٤٦] لزمني نقص بقتل النفس فإنما كان ذلك قبل الرسالة، وأما البشرية فإنها ليست مانعة من فضل الله، وقد تفضَّل عليَّ.
{وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ}[الشعراء: ٢٢]. هذا جوابٌ عن الأمر الأول، وعن كفر النعمة من الأمر الثاني، أي: أيُّ مَنٍّ لك على إنسان ربيته وعبَّدتَ قومَه تقتل أبناءهم وتستحيي نساءهم؟ !
فعَدَل فرعونُ إلى سؤال آخر يحاول به أن يُرِي قومه أن موسى عليه السلام كاذبٌ في دعواه الرسالة:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الشعراء: ٢٣]. يريد: أن الرسول مِنْ شأنه أن يكون قد حضر عند مُرْسِلِه وشاهدَه وعَرَفه، فقل لنا: ما هو؟
يحاول أن يقول موسى: لا أدري ما هو، أو: ليس لبشر أن يدري، أو نحو ذلك. فيقول: فلست برسول إذن.
{قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ}[الشعراء: ٢٤]. هذا من النوع الذي يسميه البيانيون: الأسلوب الحكيم، وهو إجابة السائل بخلاف ما يترقب؛ لنُكْتة. كأنه يقول: ليس من شرط الرسول أن يعرف ذات مرسله، فقد يدعو الملك بعض الأمناء الذين لم يروه قط، فيكلمه من وراء حجاب، أو يبعث إليه ثقة من ثقاته، ويوجهه رسولًا، ولكن كأنك يا فرعون