للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السؤال، فيَتَوَهَّمُ أنَّ القصد جهة الغرب، فإذا رجع إلى العدو الشرقيِّ أخبرهم بذلك، فيكفوا عن الاستعداد.

وبهذا أو نحوه فُسِّر ما جاء في "الصَّحيح" (١) أنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا أراد غزوةً وَرَّى بغيرها. وليس ذلك بكذبٍ. على أنَّ مِن شأن مَن يريد غزوةً أن يكتم قصْدَه، ويحرص على إيهام العدوِّ أنَّه لا يقصدهم، وهذا شِبْهُ قرينةٍ تُشكِّك في الإيهام المذكور.

ثانيها: الكلامُ الموجَّهُ، وهو الذي يحتمل معنيين فأكثر على السواء، وليس هذا أيضًا من الكذب في شيءٍ ألبتة.

ثالثها: أن يكون الكلام ظاهرًا في المعنى المراد، ولكنَّه صِيغَ مَصَاغًا يستخفُّ المُخَاطَب، فإذا استعجل فَهِمَ خلاف المقصود.

وقد نُقِل شيءٌ من هذا عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، كان ربّما تعمّده تأديبًا للمُخَاطَبِين، وتعليمًا لهم أن لا يستعجلوا في فهم الكلام قبل التروِّي فيه.

فمن ذلك: ما رُوِيَ أنَّ رجلًا سأله أن يحمِلَه على بعيرٍ، فقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لأحملنَّك على ولد ناقةٍ"، فاستعجل الرجل وقال: وما أصنع بولد ناقةٍ؟ ! فقال: "وهل تَلِدُ الإبلَ إلَّا النُّوقُ؟ " (٢).


(١) البخاري (٢٩٤٧) ومسلم (٢٧٦٩)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٢٦٧) وأبو داود (٤٩٩٨) والترمذي (١٩٩١) وغيرهم، من طرقٍ عن خالد الطحَّان عن حميد الطويل عن أنسٍ رضي الله عنه به.
وقد صحَّحه الترمذي عقبه، والألباني على شرط الشيخين في "مختصر الشمائل" للترمذي (٢٠٣) و"صحيح الأدب المفرد" (٢٠٢).