للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: قد تقدَّم أنَّ حملها على التأويل معناه نسبة الكذب إلى الله ورسوله.

وبعد فالمكابرة لا دواء لها، والمقصود إرشاد مَن في قلبه خير إلى أن يفرض ما تقدَّم، ثم ينظر فلعلَّه يتبيَّن له خطَاؤُه في توهُّم القطع.

فإن قال قائلٌ: إنّما استقامت لك الحُجَّة لأنَّك مثَّلتَ بالحياة واليد، ومن الصفات ما لا يظهر استقامة تلك الحُجَّة فيه، ومن ذلك كون الله عزَّ وجلَّ على عرشه فوق السماوات، وكونه ينزل كُلَّ ليلةٍ إلى سماء الدُّنيا، ويجيء يوم القيامة، وغير ذلك.

أقولُ: الحُجَّة مثبتةٌ في هذه كلِّها؛ لأنَّ الفلاسفة ومقلِّديهم أثاروا شبهًا ليست ممَّا فُطِرَت عليه العقول، ولا كان يعرفها العرب الذين تلقوا الشريعة غَضَّةً، وقد كنت أحببت أن أوضح ذلك مفصَّلًا، ثم أضْرَبْتُ عن ذلك لمعنىً سأذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. فلْأَكتف بجوابٍ إجمالي:

قد عَلِمتَ أنَّ الإخبار بكلامٍ له معنى ظاهر، وليس عند المخاطَب قرينةٌ تُوْجِب صَرْفَه عن ظاهره يكون كذبًا، ولا يغني تورية المتكلِّم في نفسه، أو ملاحظته قرينةً يعلم أنَّ المُكلَّم (١) لا يشعر بها، كأن يَقْدَم رجلٌ من اليمن إلى الحجاز، فيسأله رجلٌ عن أبيه، فيقول: إنَّه قد مات، ويريد في نفسه أنّه نامَ، ويزعم أنَّ وجود الأب في اليمن حيًّا يرزق قرينة!

وعلمتَ أنَّ الكذب مُحالٌ أن يقع من الله عزَّ وجلَّ ورسله، والله عزَّ وجلَّ إنّما أنزل الكتب وأرسل الرسُّل لهداية الناس إلى السِّراط المستقيم، لا لإضلالهم، قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى


(١) الأصل: "المتكلم" سهو.