للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: نعم، قد قالوا ذلك، ولكن الوجه في ذلك أنَّهم رأوا أنَّ الصِّيغة سبب تامٌّ في انعقاد العقد، ولهذا قالوا بدخول الصُّوَر التي لم يقصدها العاقد، وبالانعقاد بالصيغة التي لم يقصد بها الإيقاع، وإنما قصد بها الهزل.

وفتوى المجتهد ليست بسبب تامٍّ لثبوت الحكم؛ إذ ليست بإنشاءٍ للحُكْم كما كانت صيغة النَّذر إنشاءً للنذر مثلًا، وإنَّما الفتوى إخبار من المجتهد بما فهمه من الشريعة، فيحصل ظنٌّ بصحة ذلك؛ لأنَّه عدل عالم، وهذا خاص بما قَصَدَه في عبارته، فكيف تدخل الصُّوَر التي لم يظهر أنَّه قصدها؟ !

وهكذا يقال في دلالة الإشارة، فإنَّها عندهم: دلالة اللَّفظ على ما يلزم معناه، ولا يظهر من اللَّفظ أنَّه قصد به، فنقول بها في كلام الله تعالى؛ لإحاطة علمه بما يلزم، وكذا في كلام رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لأنَّ الله تعالى رقيبٌ عليه كما تقدَّم، وكذلك يقول بها في العقود من يرى العقود أسبابًا تامَّةً؛ لأنَّها إنشاء لأحكامها، ولا يصح أن يقال بها في فتاوى العلماء؛ لما سبق.

وأمَّا المفهوم فمفهوم الموافقة إن كان واضحًا فهو كالمنطوق الصَّريح، وإلَّا فهو من القياس، وسيأتي ما فيه.

وأمَّا مفهوم المخالفة فقد نقل ابن السُّبكي عن والده: أنَّه لا عبرة به في غير الشرع (١)، قال المحلِّي في "شرح جمع الجوامع": "من كلام المصنِّفين والواقفين لغلبة الذُّهول عليهم بخلافه في الشرع من كلام الله ورسوله المبلِّغ عنه؛ لأنَّه تعالى لا يغيب عنه شيء" (٢).


(١) "جمع الجوامع" (ص ٢٤) حيث قال: "والشيخ الإمام في غير الشرع".
(٢) "شرح المحلِّي" مع "حاشية البنَّاني" عليه (١/ ٢٥٥)، و"حاشية العطَّار" عليه (١/ ٣٣٥).