وإن قالوا: نعم. قلنا: فالبُعْد والمسافة موجودان أم معدومان؟
فإن قالوا: معدومان، قيل لهم: كيف؟ والمفروض أنَّ ذلك الجسم قوس، والقوس إذا وُضِعت على ما فرضنا كان طرفاها على سطح العالم وباطنها المقوَّس خارجه.
وإن قالوا: موجودان. قلنا: كيف؟ والمفروض أنَّ خارج العالم عَدَمٌ مَحْضٌ، ولم يخلق الله عز وجل فضاء إلَّا بقَدْر ما ينفذ فيه طرف القوس، إلى أن يرجع طرفه إلى موضع آخر من سطح العالم، فذاك الفضاء إذًا على شكل قوس، وما بين مقعَّره وبين العالم على ما كان عليه.
فإن قالوا: إنَّ وجود البُعْد بين الجسمين لا يستلزم أن يكون ما بينهما شيئًا موجودًا، بل يجوز أن يكون ما بينهما عَدَمًا مَحْضًا، ووجود المسافة إنّما معناه كونها بحيث تُعْلَم.
قلنا: فوجود البُعْد بين السماء والأرض لا يستلزم وجود ما به البُعْدُ، وما به البُعْدُ هو الفضاء فهو المسافة، فالضروري إنَّما هو وجوده بمعنى كونه بحيث يُعْلَم، لا بمعنى كونه ليس بِعَدَم، وبعبارة أخرى: فالبُعْدُ معناه عدم التَّماسّ، فوجود البعد عبارة أخرى عن وجود عدم التَّمَاسّ، ووجود العَدَم إنَّما معناه كونه بحيث يُعْلَم.
وأمّا قول العضد:"لأنَّه يشار إليه هنا وهناك" فمثل هذا يقع في المثال الذي فرضناه، فَمَنْ على طرف العالم يشير إلى ما بينه وبين القوس هنا