سَمَاوَاتٍ} [٢٩]. وهذا يدلُّ على أنَّ خلق الأرض مقدَّم على خلق السماء. وكذلك قوله تعالى في سورة فصلت: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [٩ - ١١] ولكن آية النازعات توهم خلاف ذلك.
وقد استُشكل ذلك قديمًا. فقد أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عباس: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ. ثم ذكر أربعة أسئلة، منها سؤال عن آيات فصلت والنازعات، فأجاب ابن عباس بأنَّ الله خلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم استوى إلى السماء فسوَّاهن في يومين آخرين، ثم دحا الأرضَ. ودَحوُها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخَلَق الجبال والآكام وما بينهما في يومين آخرين .. إلخ (فتح الباري ٨/ ٥٥٥).
وذكر ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن"(٢٧، ٦٧) أنَّ ذلك مما احتجَّ به الملحدون للطعن في كتاب الله، ثم ردَّ عليهم بنحو قول ابن عباس مع ذكر قول مجاهد: إنَّ (بعد) في آية النازعات بمعنى (مع).
ولكن نقل الواحدي في البسيط (٩/ ٤٣٠) عن مقاتل أنه ذهب إلى أنَّ السماء خلقت قبل الأرض، واتبعه في ذلك جماعة من أهل العلم. بل ذكر
الآلوسي في "روح المعاني"(١/ ٢١٨) أنَّه اختيار المحققين، ثم ختم كلامه بقوله (١/ ٢١٩): "وبعد هذا كلِّه لا يخلو البحث من صعوبة، ولا زال الناس يستصعبونه من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى الآن".