للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثيرًا ما يحذف المتعلق، إما لعمومه كقولهم: العَصَا من العُصَيَّة (١)، أي كائنة؛ وإما لدلالة الحال عليه، كأن يرى رجلًا يضرب ولده بيده، فيقول: بالعصا، أي اضْرِبْه بالعصا.

ومتعلَّق (بسم الله) في القراءة محذوف لدلالة الحال عليه، وهو: "أقرأ". وفي غيرها يقدره الإنسان بحسب ما يسمِّي عليه. والغالب حذفه لدلالة الحال، ففي الأكل: آكل، وفي الشرب: أشرب، وفي الوضوء: أتوضأ، وهكذا. هذا هو المشهور، وسيأتي في تقرير المعنى احتمال غيره.

هذا، والأصلُ في الكلمة التي يتعلق بها الجار والمجرور تقدُّمُها عليه، ولكن المختار في تسمية الإنسان عن نفسه تأخير المتعلق؛ لأن الحال التي تدل عليه من شأنها التأخير. فإن أراد أن يقوم فقال: "بسم الله" وقام، فالقيام إنما يشاهدَ بعد التسمية، فكذلك ينبغي تقدير الفعل الذي دلَّ عليه القيام، وهو "أقُوم".

= ولوجوه أخرى أهمها أنَّ التأخير يبيِّن أنَّ في الكلام اختصاصًا، ومعنى الاختصاص أن يكون الكلام يدل مع ثبوت الأمر للشيء على انتفائه عن غيره، كقولك: ما جاء إلا زيدٌ، أثبتَّ المجيء لزيد، ونفيتَه عن غيره. وهذا المعنى يفيده تقدم الجار والمجرور على متعلقه، كقولك: بقلمي أكتبُ، وبسلاحي أخرج. فيكون معنى الأول: أكتب بقلمي، ولا أكتب بغيره؛


(١) العصا فرس جَذيمة الأبرش، والعُصَيّة أمُّها. يضرب في مناسبة الشيء أصله. انظر: "نسب الخيل" للكلبي (٥٤)، و"أسماء الخيل" للغندجاني (١٦٩)، و"المستقصى" (١/ ٣٣٤). وللمثل تفسير آخر ذكره الزمخشري وغيره، وهو أن الشيء الجليل يكون في بدئه حقيرًا.