المتقدم أن الواضع إنما وضع الألفاظ للدلالة على أنفسها، وأنها إنما استعملت للدلالة على معانيها على سبيل المجاز. فيقال لمن يلتزم ذلك القول: حاصل
قولك أن الواضع بدأ فركب الألفاظ ورتّبها، ثم استعملت في المعاني تجوُّزًا. وقد علمنا أن المجاز يعتمد العلاقة الواضحة، فأي علاقة بين المعاني وبين الألفاظ التي لا معاني لها إلا دلالتها على أنفسها.
وافرض أن أحدنا ركَّب ألف لفظ مخترع، ثم أراد أن يستعملها في المعاني تجوزًا، فأنّى ذلك، وما العلاقة؟
فإن تشبث بما يذكره المدققون في بعض الألفاظ الدالة على الأصوات، أو على ما يُفهم الصوت، من أنها مناسبة لتلك الأصوات، كما في: صرَّ، وصرصر، ودقَّ، وجرَّ؛ وفي بعض الألفاظ من مناسبة بين صفات حروفها من الشدة والهمس وغيرهما، وبين معانيها.
قيل له: إن الألفاظ التي يُدَّعى فيها ذلك قليلة جدًّا بالنسبة إلى غيرها، وتلك المناسبات تعتمد في الغالب التوهم والتخيل، وذلك مما يختلف باختلاف الناس، وأجمع الناس على أنه لا يجوز اعتماد هذه المناسبة في إثبات اللغة بدون سماع.
فإن قال: من أصلي في المعقولات أنه يستحيل الترجيح بدون مرجح، فإن لم تسلموا ذلك فناظروني فيه. وإنْ سلمتم، فمن قولكم إن الواضع إنما كان يتصور المعنى، ثم يضع له لفظًا، فيلزمكم أن تقولوا: إنه إنما رجح لفظًا على آخر لمرجِّح، فأنا أقول: إن ذلك المرجح هو العلاقة.
قلنا: إنه يمكن أحدنا أن يعمد إلى المعاني ويضع لها ألفاظًا مخترعة، فيجمع مائة لفظ لمائة معنى، أو يبدأ فيركب مائة لفظ مخترع ثم يعين لكل