للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلنا: فإذا فعل الواضع هذا، فهذا وضع، لا تجوُّز.

فإن قال: لكني أسمِّيه تجوّزًا.

قلنا: سمِّه ما شئت، فقد ثبت وضع الألفاظ للمعاني، ولم يبق إلا دعواك أن الواضع بدأ فوضع الألفاظ لأنفسها، فنسألك: ما فائدة وضع الألفاظ لأنفسها، والناس لا يحتاجون إلى ذلك، وإنما احتاجوا إليه في الجملة بعد أن وضعت الألفاظ للمعاني؟ فإنه بعد أن تقرر أن لكل شجرة اسمها دعت الحاجة إلى أن يقال: ما اسم هذه الشجرة؟ فيقال: نخلة، وغير ذلك، فأما قبل أن تعرف علاقة ما بين الألفاظ والمعاني فأي حاجة بالإنسان إلى أن يقول لصاحبه: "نخلة"، ليعرف صاحبه أن لفظ "نخلة" يدل على هذا اللفظ "نخلة"؟

أولا ترانا لا نكاد نحتاج إلى ذكر الألفاظ المهملة؟ وهل تذكر أنك نطقت، أو سمعت من نطق بلفظ: "ضصقح"؟

ولهذا لما احتاج علماء اللغة إلى ذكر الألفاظ المهملة استعانوا بالمستعملة، فمثلّوها بقولهم: "ديز" مقلوب "زيد".

ثم أي حاجة بالألفاظ في دلالتها على نفسها إلى الوضع؟ فإن المقصود من الوضع إنما هو أن يعرف العلاقة بين الشيئين، حتى إذا أريد إحضار أحدهما في ذهن المخاطب توصل إلى ذلك بإحضار الآخر. وهذا إنما هو في وضع الألفاظ للمعاني، مثاله: أن الإنسان قد يحتاج إلى أن يخاطب صاحبه بشيء يتعلق بهذا الطائر الأسود، ولا يستطيع في كل وقت إحضار الطائر نفسه والإشارة إليه، فوضع له لفظ "غراب"، حتى إذا عرف ذلك كفاك أن تقول: "غراب" فيحضر ذاك الطائر في ذهن صاحبك.