للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رآها علم أنها مرآة، ولكن هل تجد أحدًا يشتري مرآة لتكون عنده فقط، أو إنما يشتري الناس المرايا ليروا فيها صورهم؟

وإنما نزاعنا معك في فهم الألفاظ في كلام الناس، وقد عُلِم مما مرَّ أن الأصل في ذلك هو أن يفهم منها معانيها، فلا يضرُّها بعد ذلك أن تسميها مجازًا.

[٤٥/أ] واعلم أن المحققين من علماء الوضع اتفقوا على أن الواضع إنما قصد وضع الألفاظ للمعاني، ولكنهم اختلفوا في دلالة الألفاظ على أنفسها حيث وقعت في الكلام، كقول النحاة: "قام" فعل ماض، و"من" حرف جر، وأشباه ذلك، فقال السعد التفتازاني وجماعة: إنها دلالة وضعية وضعًا تبعيًّا. وأنكر السيد الشريف الجرجاني وجماعة ذلك، وقالوا: لا يدل صحة استعمالها في الكلام على الوضع لأنه يصح استعمال المهمل، كأن يقال: "ديز" مقلوب "زيد"، وأشباه ذلك.

والذي أراه أن الخلاف صوري، والتحقيق مع السعد، وذلك أن الواضع لما وضع الألفاظ للمعاني دعت الحاجة إلى استعمالها في الدلالة على أنفسها، فأقرَّها الواضع، ونطق بها العرب كذلك حيث احتاجوا إليها، فكان هذا وضعًا تبعيًّا.

أَوَلا ترى أن الإنسان إذا نطق باللفظ المستعمل كان متكلّمًا بالعربية، سواء أراد به معناه أم لفظه، كقول القائل: طلع القمر، وقوله: كتبت "قمر"؛ وأنه إذا نطق باللفظ الأعجمي كان خارجًا عن العربية، كقولك: طلعتْ "جانْدْ" (١) (اسم للقمر بالفارسية)، وكتبت "جاند"؟


(١) كلمة "جانْدْ" بالجيم الفارسية وإخفاء النون: كلمة هندية تستعمل باللغة الأردية. أما اللغة الفارسية فيقال للقمر فيها: "ماه". ولا أدري لماذا أنَّث الفعل "طلعتْ"، فإن الاسم المذكور مذكر.