للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: ٦٠].

الثالث: أنَّ الله تعالى ذمَّهم على قولهم: "وما الرحمن". ولو كانوا غير عارفين معناه ما استحقُّوا الذمَّ.

وقال الأكثر: إنَّ تعجرفهم من تعنُّتهم. وهذا هو الظاهر، ولكنه يحتاج إلى بيان.

فأقول: قد أخبر الله تبارك وتعالى عنهم بقوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦]. فبان بهذا أنَّ القوم لم يكونوا يراعون في معارضة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الإنصافَ ولا ما يقرب منه، بل إن تيسَّرت لهم شبهة قد ينخدع بها من لم يسمع كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بتمامه طاروا بها فرحًا، ورقصوا لها طربًا. وإن لم يتيسَّر لهم ذلك تشبثوا بمغالطة يعرفون بطلانها كأن يحملوا كلامه على ما يعرفون أنه غير مراده، ثم يلغَون بذلك، ويشنِّعون به، ويبنُون عليه.

وكان يلذُّ لهم ذلك لعلمهم أنَّ ذلك يُحزن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى يكاد يبخَع نفسَه ــ بأبي هو وأمي ــ لأنَّ الناصح الشفيق لا يُحزنه أن يعارضه المنصوح بشبهة قد يظنها المنصوح حقًّا، كما يُحزنه أن يشغب عليه بمغالطة يعرف الشاغبُ نفسه بطلانها، ولاسيما إذا نسب إلى الناصح ما ينافي نصحه، ولكن القوم ــ كما هو متواتر عنهم ــ لم يبلغوا في الوقاحة إلى درجة المكابرة المكشوفة أو الكذب المكشوف.

إذا تقرر هذا، فالظاهر أنَّ بعض سفهائهم سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يا الله،

يا رحمن"، كما في الأثر السابق أو نحو ذلك، فأوحى الشيطان إلى ذلك