وإن أريد الخضوع النفسي، فإن أريد به الخشوعُ وجمعُ الهمة، فحاله كحال الحسِّي؛ فإنا نجد كثيرًا من الناس يدخل على الأمير الكبير، فيقف أو يجلس
خاشعًا جامعًا نفسه على استماع كلام الأمير والإقبال عليه، لا يكاد يخطر له خاطر إلا في الإقبال عليه. ونجد كثيرًا من الناس يقوم في صلاته مناجيًا ربَّه، ولا يخشع ذلك الخشوع. والخشوع في الصلاة عبادة وإن قلَّ، وكذلك إذا وقع في الاعتكاف والذكر وغيرها. والخشوعُ للأمير ليس بعبادة.
وإن أريد ما يجمع الحسِّي والنفسي بالمعنى المذكور، فحاله كما تقدم والمثال السابق آتٍ فيه. وإن أُريد أمر آخر، فما هو؟
وقيل: العبادة: التأليه، فمن اتخذ شيئًا إلهًا فقد عبَدَه. وهذه أقرب عباراتهم، ولكن كلمة "إله" غير مكشوفة المعنى، وقد اختلفت العبارات في تفسيرها. وفيها نحو ما في هذه العبارات التي في تفسير العبادة. وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأقرب العبارات وأشهرها في تفسير "الإله" هو: المعبود، أو المعبود بحق. فكلٌّ من العبادة والإله غيرُ بيِّنِ المعنى. ثم فسَّروا كلًّا منهما بما يتوقَّف على معرفة الآخر.
وقد اعتنيتُ بهذه المسألة، وجمعتُ فيها "رسالة العبادة"، ونظرتُ في مواقع هاتين الكلمتين وما يُقصد بهما في الكتاب والسنة، وتتبعتُ ما تيسر من معرفة أحوال من حكم الله عليه بالشرك، وفتَّشتُ عما كانوا عليه اعتقادًا وقولًا وعملًا، وتلخصت في تفسير هاتين الكلمتين.