للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلم سبحانه وتعالى أن الطاعنين ربما يقولون: إن الجهاد في شريعة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أوسع مما كان أمر به الأنبياء الأولون عليهم السلام، فأجابهم تعالى بقوله:

(٢٥٣): {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ .. } كأنه تعالى يقول: فإن فضلك الله تعالى بشيء، كالرسالة إلى الخلق كافة، والأمر بجهاد جميع الأمم؛ فلا بدع في ذلك، فإنه تعالى كذلك فضَّل بين الأنبياء السابقين في الشرائع والأحكام والآيات.

[٢٢/أ] وعلم عز وجل أن الطاعنين ربما يقولون: سلمنا ظهور الحكم في مشروعية جهاد الوثنيين، فأي حجة لمشروعية جهاد أتباع الأنبياء السابقين؟

فأجابهم تعالى بقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}، فكأنه تعالى يقول: إن المنتسبين إلى الأنبياء، كاليهود والنصارى، قد قاتل بعضهم بعضًا، وحجتهم أن المؤمنين منهم قاتلوا الكافرين منهم أيضًا، فتبين بهذا اعتراف من

يدعي الإيمان منهم بوجوب قتال من كفر منهم. فثبت بذلك صحة قتال محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمته لمن ثبت لديهم كفره من أهل الكتاب، وقد ثبت أن كل من لم يؤمن بمحمد - صلى الله عليه وآله وسلم - منهم فهو كافر.

وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} فيه رد على الطاعنين في الجهاد، مع اعترافهم بربوبية الله عز وجل؛ فإن اعترافهم بربوبيته تعالى يتضمن اعترافهم بأن اقتتال أهل الكتاب كان بقضائه وقدره، لحكمة يعلمها عزَّ وجلَّ. وإذا كان كذلك فاستبعادهم أن يأمر بالقتال مع