الأذهان أن الإكراه ظلمٌ مذموم؛ فلو قيل لك: إن في إقليم كذا ملكًا يكره الناس، [٢٥/أ] تبادر إلى ذهنك أنه ظالم.
فإذا وافقت على هذا ساغ لنا أن ندعي أن الإكراه الحقيقي هو ما يكون ظلمًا، بدليل التبادر المذكور. فلا يشمل ما يسمى إكراهًا وليس بظلم، كإكراه المريض على الدواء، والصبي على التعليم.
ولو قيل لك ــ بدل المثال المتقدم ــ: إن في بلد كذا ملكًا يكره الأطفال على التعلم، ويكره العامَّة على تعلُّم الصنائع المفيدة، ويكره الرعية على القيام بما تتوقف عليه مصلحة شرف الأمة واستقلالها من النفقات، ويُكره الصالحين للقتال على القتال في الدفاع عن الأمة وشرفها، وأشباه ذلك= لم يتبادر إلى ذهنك من هذه الصفات أن الملك ظالم، بل بالعكس نفهم أن الواصف يصفه بالحكمة والعدل.
فإن سلمت هذا، قلنا: إن الإكراه في الآية المراد به الإكراه الحقيقي، وهو ما يكون ظلمًا.
[٢٥/ب] وإن بقي في نفسك شيء من هذا، فلا بأس أن نفرض أن الإكراه يشمل الضربين حقيقة، ولكن نقول: أريد منه هاهنا الضرب الأول خاصة، بمعونة القرائن والأدلة التي قدمناها، وذلك على سبيل
المجاز، لما كان الضرب الثاني المقصود منه المصلحة والعدل والمنفعة مما يحسِّنه العقل، فكان ينبغي للناس أن يقبلوه برضاهم واختيارهم، ولا يلجئوا المصلح إلى إكراههم عليه. ولذلك صح تخصيص الإكراه بالضرب الأول، وكان الثاني غير معتدٍّ به ولا منظورٍ إليه.