وتفسيره بالجور قابل لذلك، أو يصدق على ترك الوفاء للواحدة بحقوقها أنه جور عليها. وكذلك تفسيره بالميل إذا أريد به الميل عن الاستقامة. فأما إذا أريد الميل عن بعضهن إلى غيرها، فهو مردود بما تراه.
الوجه الثالث: أن في أول الآية الترغيب في الجمع؛ لأن أصل صيغة الأمر للوجوب، لكن لا قائل ــ فيما أعلم ــ بوجوب الجمع، فعلى الأقل يكون للترغيب؛ إذ هو أقرب إلى الوجوب الذي هو الأصل، من الإباحة؛ لأن السياق يدل على [أن] قوله: {فَانْكِحُوا} بيان سبيل الإقساط، والإقساط واجب، فأقل الحال في سبيله أن يكون مرغبًا فيه.
وفي قوله تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا} الآية إقرار الناس على الجمع، مع بيان عدم استطاعتهم لذلك العدل، ووجود الميل الشديد منهم، وإنما نهوا فيها عن الميل كل الميل.
وفي الآية التي قبلها إرشاد المرأة إلى ملاطفة الزوج، بأن تدع له بعض حقها. وفي الآية التي بعدها: إرشاد المرأة التي لا تصبر على الميل إلى سؤالها الطلاق.
في ذلك كله [ص ١٥] تأكيد لإقرار الجمع، وأقر الله عز وجل ورسوله كثيرًا من الصحابة على الجمع، وشرعت لذلك عدة أحكام، ومضت الأمة على ذلك إلى اليوم.
وفي بعض هذا ــ فضلاً عن كلّه ــ ما يمنع من حمل قوله:{أَلَّا تَعْدِلُوا} على ما يناقض ذلك ما دام غيره محتملاً، بل هو الظاهر البين، بل المتعين.
فالعدل في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} هو العدل الذي يستطيعه