قال: إذا سَلِمْتَ من الحذفِ ورد عليك ادّعاءُ الاعتراض بين المبتدأ والخبر، وهو خلاف الأصل.
قلتُ: يَرِدُ عليّ هذا، ويَرِدُ عليهم حذف المبتدأ في قوله:{فِي سَمُومٍ} مع إعادةِ الظاهر مكان المضمر. فواحدةٌ تُقاوِم، وواحدة ترجِّح.
ثم قال سيّدنا: خبرُ المبتدأ إذا كان جملةً، ورابطه (١) الإشارة: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ}[الأعراف: ٢٦]، أو إعادتُه لفظًا:"الواقعة ما الواقعة"، أو كونه إيّاه في المعنى:{هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} = فإنَّ خبر المبتدأ الثاني هو خبر المبتدأ الأول في المعنى، وإنّما جُعل خبرًا للثاني صناعةً. وأمَّا المبتدأ الثاني، فلم يُجَأْ به إلّا لإفادة معنىً غير الإسناد.
ألا ترى أنّه لو قيلَ في غير القرآن:"ولباس التقوى خيرٌ"، وقلتَ:"الواقعةُ أمرٌ مَهولٌ"، "وهو أحدٌ"= كان المعنى بحاله. وعلى هذا فقولهم: إنَّ (ما) مبتدأ، و"الواقعة" الثاني خبره، فيه نظرٌ لمَا قررناه؛ إذ المبتدأ الثاني في هذه الثلاثة إنّما هو وُصْلةٌ في المعنى بين المبتدأ الأوّل وخبره.
فقلتُ: ويلزم على قولهم أن يُخْبَرَ بالشيء عن نَفْسه.
قال: نعم، وذلك باطلٌ. وممَّا يرجّحه كون (ما) هاهنا نكرة مسوِّغة لكونها موصوفةً معنى، والواقعة معرفةٌ، وفي مثل ذلك يترجّح للابتداء