فيناسبها الحجاب. ودلل على أن الرمي في واقعة الفيل لم يكن لإقامة حجة، وإنما كان آية عذاب. ومثل ذلك لا يستدعي الحجاب، بل كان هناك مانعان من الحجاب والتسبب والمباشرة.
والأمر الثالث الذي يرى المعلمي رحمه الله أنه قد يكون باعثًا على إنكار رمي الطير "أن بعض فلاسفة الإفرنج وكُتَّابهم وأذنابهم من الملحدين ينكرون الخوارق، ويسخرون منها، ويعدّون ذكرها في القرآن برهانًا على اشتماله على الكذب. وعلماء المسلمين شديدو الغيرة على القرآن، والحرص على تبرئته عن المطاعن، فقد يحمل بعضهم ذلك على أن يتأول بعض النصوص القرآنية، ويحمله على معنى لا ينكره القوم".
ثم قال:"لست أقول: إن المعلِّم رحمه الله تعالى ممن يمكن أن يختار تأويلًا يعلم ضعفه، ولكن قد لا يبعد أن تكون شدة غيرته على القرآن، وحرصه على دفع الطعن عنه، مما قرّب ذاك التأويل إلى فهمه".
وهنا أريد أن أضيف أن المعلِّم رحمه الله لم يكن من ذلك الصنف من العلماء الذين يتأثرون بكلام الإفرنج والملحدين، بل كان من العلماء الراسخين، ولم يزده تضلعه من الإنجليزية ودراسته للعلوم الحديثة إلا استقامة ورسوخًا، كما شهد بذلك أصدقاؤه ومعارفه. وهو الذي قال في خطبة تفسيره:
"فكأني نذرت نذرًا: أن أتمسك بآيات الله ونظامها، فلا أجاوز عنها شبرًا ... مجتنبًا غلوًّا في الدين، فلم أكن متخذ الباطنية بطانةً، ولا الظاهرية ظهرًا. مفارقًا من لم يفرق بين سنّة الله وسنن المخلوقات، فكذّب ببينات القرآن، وحرّف آياته زورًا ومكرًا. قائلًا للمبتدعة كلّهم: حِجْرًا، وللملحدين جميعهم: بَهْرا"(١).
(١) انظر: "نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان" للفراهي، طبعة دار الغرب الإسلامي (١٢).