للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سنته، من الإقدام على الخلاف إذا لاح له دليل. وتلك سيرة يحمدها الإسلام، ويدعو إليها أولي الأفهام؛ غير أن الخلاف هنا ليس لقولٍ مشهورٍ، ولا لقول الجمهور، ولكنه لقولٍ صرّح به الجماهير، ولم ينقل خلافه عن كبير ولا صغير.

ومثل هذا القول إن جاز خلافه في بعض المواضع، فإنه لا يكفي للإقدام على الخلاف فيه لائحة دليل، ولا رائحة تعليل؛ بل لا يغني فيه إلا حجة تزداد وضوحًا بتكرار النظر، ولا تلين لتأويل مقبول "حتى يلين لضرس الماضغ الحجر" (١). [ص ٢]

إذا عضّ الثِّقافُ بها اشمأزّتْ ... ووَلَّتْه عَشَوزَنةً زَبُونا

عَشَوزَنةً إذا انقلبتْ أرنَّتْ ... تشُجُّ قَفا المثقِّف والجَبينا (٢)

وقد تدبرتُ ما ذكره المعلِّم من الدلائل، فلم أرها كذلك، ولا قريبًا من ذلك إلا في بعض الفروع. وقد بدا لي أن أتعقب المعلِّم رحمه الله، وأشرح ما يتبين لي من وفاقٍ أو خلافٍ. وأسأل الله تعالى التوفيق.

هذا، وقد كنت جريت على ترتيب المعلِّم رحمه الله مساوقًا له، ثم


(١) شطر سائر ضمَّنه الفرزدق وغيره. ولعل قائله عبد الله بن الزَّبِير الأسدي، وصدر بيته في الإمتاع والمؤانسة (٣/ ١٠٤):
ولا ألينُ لغير الحقِّ أتبعُه
وانظر: مجموعة المعاني (١/ ٢٣٦)، والتمثيل والمحاضرة (٧٠).
(٢) البيتان من معلقة عمرو بن كلثوم. انظر: جمهرة أشعار العرب (١/ ٤٠٣)، وشرح القصائد السبع الطوال (٤٠٤).