تتأيّا الطيرُ غُدوتَه ... ثقةً بالشِّبْع من جَزَرِهْ
قال عبد الرحمن: هذا الشعر، وما يشبهه كقول [أبي تمام](١):
وقد جُلِّلتْ عِقْبانُ أعلامه ضحىً ... بعِقْبان طيرٍ في الدماء نواهلِ
أقامت مع الرايات حتى كأنها ... من الجيش إلّا أنّها لم تقاتل
إنما ذكر فيه أن الطير تصحب الجيش الغالب. فمعاينة نفيل الطير على جيش أصحاب الفيل يقتضي على هذا أن يدلّه على أن ذلك الجيش غالب، أو قل: إنما يدل على أنه يتوقع أن يقع قتل كثير منه، أو من عدوه، أو قل ــ وهو الحق ــ: لا يدل على شيء، فإن الطير ــ إن صدق الشعراء ــ إذا رأت [ص ٢٩] الجيش الذي اعتادت أنها إذا رأته لم يلبث أن يكون مقتلة عظيمة، حلّقت فوقه، ومعلوم أنه لا يلزم من تحليقها فوق الجيش أن يقع قتال، فقد بان أن رؤية نفيل تحليق الطير على أصحاب الفيل لا يقتضي ــ وحده ــ أن يستبشر نفيل. فظهر أنه إنما استبشر وحمد الله تعالى لما رآها ترميهم بالحجارة. وقد صرح بذلك في قصيدته الأخرى، كما نقلناه من "المنمق".
ويأتي في الأمر الثالث روايات أخرى فيها ذكر رمي الطير، وهي وإن كانت ضعيفة، فإنها تؤيد الروايات السابقة فيما وافقتها فيه. ويأتي في تفسير السورة مزيد لذلك إن شاء الله تعالى.
٣ - "وأن هذه الحجارة نفذت في أجسام الراكبين، حتى نفذت في أجسام الفيل".
(١) زيادة مني، وفي الأصل بياض. وانظر ديوان أبي تمام (٣/ ٨٢). وفيه: "وقد ظلّلت".