للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: أن ذنبهم أشبه بذنب أصحاب الفيل، وأشد منه. فإن ذنب أصحاب الفيل هو أنهم عمدوا لهدم البيت الحرام انتهاكًا لحرمته، وصدًّا عن عبادة الله فيه. ومن ذنب أهل مكة: انتهاك حرمة البيت بما نجسوه به من رجس الأوثان التي نصبوها في جوفه، وعلى ظهره، وحواليه؛ [ص ٩٢] وأشركوا بالله فيه، وسعوا في خرابه بمنع أن يعبد الله فيه.

ففي "الصحيح" من حديث أبي هريرة قال: "قال أبو جهل: هل يعفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم! فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته، أو لأعفّرنَّ وجهه في التراب! قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه .. " (١).

وكان صلى الله عليه وآله وسلم مرة يصلي عند البيت، فجاء بعضهم، فألقى ثوبًا في عنقه، وخنقه به خنقًا شديدًا. وكان مرة أخرى يصلي، فلما سجد جاؤوا بِسَلَا جَزور، فألقَوه على ظهره (٢). وكذبوا الرسول الذي دعاهم إلى الحنيفية دين إبراهيم الذي بنى البيت وأمرهم بتطهير البيت واحترامه، إلى غير ذلك مما كان منهم.

الرابع: أن في واقعة الفيل منة لربهم عزَّ وجلَّ عليهم، نالتهم بسبب هذا البيت. صرف الله عزَّ وجلَّ أصحاب الفيل أن يدخلوا مكة، ويهدموا البيت،


(١) صحيح مسلم، كتاب صفات المنافقين، باب قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى}. [المؤلف]. (٢٧٩٧).
(٢) راجع صحيح البخاري، كتاب الفضائل، باب ما لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... إلخ. [المؤلف]. (٣٨٥٤).