ثم صاروا كأنهم ورقٌ جَفْـ ... ـفَ فألوَتْ به الصَّبا والدَّبورُ
وهكذا في القرآن {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ [ص ١١٤] نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}[الكهف: ٤٥] أي: جعلهم كهباء منثور ... ثم زاد هذا التشبيه حسنا أن أصحاب الفيل تناثرت أعضاؤهم، وأكلتهم سباع الطير ــ كما سيأتيك بيانه ــ فصدق عليهم صورة ومعنى أنهم صاروا كعصف مأكول".
قال عبد الرحمن: التشبيه يعطي ثلاثة أمور:
الأول: الهلاك، وقد جاء نحوه في قصة ثمود، قال تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}[القمر: ٣١].
الثاني: الهوان على الناس، فإن ما تُسْئِره الدواب من العصف أو تروثه لا يلتفت إليه أحد، ولاسيَّما إذا تفرق، وقد يأتي نحو هذا في {كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ}.
الثالث: التفرق، وذلك من شأن العصف الملقى أن تذهب به الرياح شذر مذر.
يظهر أن اختيار كلمة "عصف" يشير إلى ذلك، فإنها مأخوذة من عصفت الريح، كما مر.
فإن قيل: فقد تقدم أن القوم لم يهلكوا جميعًا، بل نجا بعضهم.
قلت: يكفي في صدق التشبيه هلاك أكثرهم، فإن من نجا منهم إنما نجا مصابًا، كالأعميين المقعدين اللذين أدركتهما عائشة بمكة، وذلك ضرب من الهلاك، قد يكون أشد من الموت. ومن لم يصب منهم ــ إن كان ــ فإنه رجع