فالحال في المثال الأول شبيهة بالنعت، وفي المثال [ص ٢٣] الثاني قريبة من العطف. وكأنك تقول في الأول: حصل من زيد مجيء إليَّ فيه إسراع. وقد أشار الشيخ إلى هذا بقوله:"تثبت مجيئًا فيه إسراع". وكأنك في الثاني تقول:"جاءني زيد"، ثم بعد علم المخاطب بذلك تقول:"جاءني زيد يسرع"، ولكنك لمَّا أردت أن تجمع الخبرين استغنيت عن "جاءني" الثانية بالأولى , وجعلت بدل "زيد" ضميره "هو"، ولم يمكنك إسقاط الضمير لئلا يلتبس بالضرب الأول، فربطتَ الجملتين بالواو.
قال الشيخ:"وتسميتُنا لها واو حال لا يخرجها عن أن تكون مجتَلَبةً لضمِّ جملة إلى جملة. ونظيرها في هذا: الفاء في جواب الشرط، نحو: إن تأتني فأنت مكرم، فإنَّها وإن لم تكن عاطفة، فإنَّ ذلك لا يخرجها من أن تكون بمنزلة العاطفة .... وذلك أن إعادتك ذكر زيد لايكون حتى تقصد استئنافَ الخبر بأنه يسرع ... "(١).
فارجع إلى الآيات السالف ذكرها. فقوله عز وجل:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} المنُّ كما قال ابن عباس وغيره: الإعطاء. ولا ريب أن الآية لا تنهى عن الإعطاء، وإنما تنهى عن إعطاءٍ يُقصد به الاستكثار. وهذا شبيه بقولك في النعت:"لا تلبس ثوبًا نجسًا"، فظهر أن الفائدة إنما تحصل من مجموع الفعلين.
وكذلك قوله سبحانه:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} فإنها لا تنهى عن البناء، وإنما تنهى عن بناء لا فائدة فيه، وذلك معنى العبث.
(١) راجع "دلائل الإعجاز" (ص ١١٥) فما بعد. [المؤلف]. طبعة محمود شاكر (٢١٤ - ٢١٦).