والجرح إسقاط للراوي، فإذا كان في نفس الأمر ثقة، ففي جرحه إسقاط لعدة من الأحاديث النبوية. وليس الكذب المسقط لأحاديث نبوية صحيحة بأخفّ من الكذب المثبت لأحاديث باطلة.
ومدحُ العالمِ تثبيت لمروياته ولأقواله أنها أقوالُ عالمٍ تصيرُ بها المسألةُ خلافية، ويكون للعاميّ الأخذ بها تقليدًا.
وذمُّه على العكس من ذلك، أعني: أنه قد يكون فيه إسقاط المرويات والأقوال، بل قد يقال: الرواية بابٌ واحدٌ، فالكذب في ضربٍ منها يجرُّ إلى الكذب في الضرب الآخر.
هذا، وإطلاقهم أن الكاذب في غير الحديث النبوي لا تُقبل روايته يتناول الكذبة الواحدة [ص ١٠] في غير الرواية، وإن لم يُخْش منها ضرر.
فأما على القول بأنها مسقطة للعدالة مطلقًا ــ وفي الزواجر (٢/ ١٦٩): أنه ظاهر الأحاديث أو صريحها ــ فظاهر.
وأما على القول بأنها وحدَها حيث لا ضرر فيها لا تسقط العدالة، فقد يقال: هذا خاصٌّ بما إذا وقعت ممن لا يتعانى الرواية، فأما الراوي فالأمر فيه أشدّ؛ لأنّ عِماد الرواية الصدق، والكذب خلقٌ واحد، فمن كَذَب في غير الرواية لم يُؤمَن أن يجرّه ذلك إلى الكذب في الرواية.
وأيضًا فالشهادة يُحتاج إلى التسمح فيها؛ لأن التشديد في عدالة الشهود قد يؤدِّي إلى ضياع الحقوق بخلاف الرواية، فإنما يتعاناها أفراد من أهل العلم، والغالب فيها بعد زمن الصحابة أن يوجد الحديث عند جماعة. ويشدّ هذا قولُ الحنفية: إنه يجوز القضاء بشهادة فاسِقَين، ولا يجوز قبول