للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صحيحة. وإنما كتبتُ هذا بعد فراغي من النظر في التراجم، وأسأل الله التوفيق.

الوجه الثاني: مقتضى اللغة. والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم، وهو كما في "القاموس" (١): "من خَطَرات القلب أو مرجوح طَرَفَي المتردَّدِ فيه". والتهمة (٢) بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات ما يظهر أن المخبر يحبّ أن يعتقد السامع ثبوته. وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه، وعلى من بينه وبينه نُفْرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يُحْمَد عليه، وإخباره عمن هو نافر عنه بما يُذَمّ عليه. وقس على ذلك كلَّ ما من شأنه أن يدعو إلى الكذب. وتلك الدواعي تخفى، وتتفاوت آثارها في النفوس وتتعارض، وتُعارِضُها الموانعُ من الكذب. [ص ٣٥] وقد تقدمت الإشارة إليها في الفصل الخامس (٣). فلذلك اكتفى الشارع في باب الرواية بالإسلام والعدالة (٤)، فمَن ثبتت عدالته وعُرف بتحرّي الصدق من المسلمين فهو على العدالة والصدق في أخباره، لا يقدح في أخباره أن يقوم به بعض تلك الدواعي، ولا أن يتهمه من لا يعرف عدالته، أو من لا يعرف أثر العدالة على النفس، أو مَن له هوى مخالف لذاك الخبر فهو يتمنّى أن لا يصح، كما قال المتنبي (٥):


(١) (ص ١٥٠٧ - الرسالة).
(٢) بعده في الأصل: "في" ولا مكان لها، وليست في "التنكيل".
(٣) لم يعقد المؤلف سوى أربعة فصول، إلا إن اعتبر مبحث التهمة بالكذب فصلًا خامسًا فنعم، وانظر (ص ٣٤).
(٤) في "التنكيل" زيادة: "والصدق".
(٥) كذا في الأصل هنا وفي (ص ١٢٦). والرواية:
"طوى الجزيرة حتى جاءني خبر ... فزعت فيه ..................... "
انظر: شرح الواحدي لديوان المتنبي (٦٠٨) وغيره. وفي "التنكيل" زاد بيتًا بعده وهو:
حتى إذا لم يَدَعْ لي صدقُه أملًا ... شرِقتُ بالدمع حتى كاد يشرَقُ بي