الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول مَن هو أعرف منه، أو وقف. وقد مرَّ أوائلَ القاعدة الثانية (١) بيان ما يمكن أن يبلغه أهل العصر من التأهل للنظر، فلا تغفل.
وبما تقدم يتبين صحةُ إطلاق الأئمة قبولَ غير الداعية إذا ثبت صلاحُه وصدقه وأمانته. ويتبين أنهم إنما نصوا على ردّ المبتدع الداعية تنبيهًا على أنه لا يثبت له الشرط الشرعي للقبول، وهو ثبوت العدالة.
هذا كله تحقيق للقاعدة. فأما الأستاذ، فيكفينا أن نقول له: هب أنه اتجه أن لا يقبل من المبتدع الثقة ما فيه تقوية لبدعته، فغالب الذين طعنتَ فيهم هم من أهل السنة عند مخالفيك وأكثر موافقيك، والآراء التي تعدُّها هوى باطلًا، منها ما هو عندهم حق، ومنها ما يسلِّم بعضهم أنه ليس بحق ولكن لا يعدُّه بدعة. وسيأتي الكلام في الاعتقاديات والفقهيات، ويتبين المحقّ من المبطل إن شاء الله تعالى. وفي الحق ما يُغنيك لو قنعتَ به، كما مرت الإشارة إليه في الفصل الثاني. ومن لم يقنع بالحق أوشكَ أن يُحرَم نصيبَه منه، كالراوي يروي أحاديثَ صادقةً موافقةً لرأيه، ثم يكذب في حديث واحد، فيفضحه الله تعالى، فتسقط أحاديثه كلُّها! {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ}[البقرة: ٢٧٩].
والمتبادر من عبارة الجوزجاني أنه يرى أنهم أحقَّاء [ص ٢٤] بأن يتهموا فيما يروونه من ذلك، وإن كان معروفًا غير منكر عند أهل السنة وعند الناصبة أيضًا، وكان راويه منهم صدوق اللهجة مأمونًا في روايته، قد اتفق أئمة السنة على توثيقه وقبول حديثه.