للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليها في الفصل الثاني (١).

وقد يستسمح العالم فيما يحكيه على غير جهة الحكم، فيستند إلى ما لو أراد الحكم لم يستند إليه، كحكاية منقطعة، وخبر من لا يُعَدُّ خبرُه حجة، وقرينة لا تكفي لبناء الحكم ونحو ذلك. وقد جاء عن إياس بن معاوية التابعي المشهور بالعقل والذكاء والفضل أنه قال: "لا تنظر إلى عمل العالم، ولكن سله يصدقك" (٢). وكلام العالم ــ إذا لم يكن بقصد الرواية، أو الفتوى، أو الحكم ــ داخل في جملة عمله الذي ينبغي أن لا يُنظر إليه. وليس معنى ذلك أنه قد يعمل ما ينافي العدالة، ولكن قد يكون له عذر خفي، وقد يترخَّص فيما لا ينافي العدالة، وقد لا يتحفظ ويتثبت، كما يتحفظ ويتثبت في الرواية والفتوى والحكم.

هذا، والعارف المتثبت المتحرِّي للحق لا يخفى عليه ــ إن شاء الله تعالى ــ ما حقُّه أن يُعَدَّ من هذا الضرب، مما حقُّه أن يعَدَّ من الضرب الآتي. وأن ما كان من هذا الضرب، فحقه أن لا يُعتدَّ به على المتكلَّم فيه ولا على المتكلِّم. والله الموفق.

[ص ٤٣] الوجه الثاني: ما يصدر على وجه الحكم فهذا إنما يُخشى فيه الخطأ. وأئمة الحديث عارفون، مُتَحَرُّون، متيقظون يتحرَّزون عن الخطأ جهدهم، لكنهم متفاوتون في ذلك. ومهما بلغ الحاكِم من التحري فإنه لا يبلغ أن تكون أحكامه كلها مطابقة لما في نفس الأمر. فقد تسمع رجلًا يخبر بخبر، ثم تمضي مدة، فترى أن الذي سمعته منه هو فلان، وأن خبره الذي


(١) تقدمت الإشارة إلى ذلك وغيره (ص ٢٩ - ٣١).
(٢) انظر "تهذيب الكمال": (١/ ٣٠٨) للمزي.