للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفرض أنه ثابت العدالة. هذا، وكلّ ما يُخشى في الذمّ والجرح يخشى مثله في الثناء والتعديل. فقد يكون الرجل ضعيفًا في الرواية، لكنه صالح في دينه، كأبان بن أبي عياش، أو غيور على السنة كمؤمَّل بن إسماعيل، أو فقيه كمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى. فتجد أهل العلم ربما يثنون على الرجل من هؤلاء، غير قاصدين الحكم له بالثقة في روايته. وقد يرى العالم أن الناس بالغوا في الطعن، فيبالغ هو في المدح، كما يروى عن حماد بن سلمة أنه ذُكِر له طعن شعبة في أبان بن أبي عيا ش، فقال: أبان خير من شعبة (١).

وقد يكون العالم وادًّا لصاحبه، فيأتي فيه نحو ما تقدم، فيأتي بكلمات الثناء التي لا يقصد بها الحكم، ولاسيما عند الغضب له، كأن تسمع رجلًا يذمّ صديقك أو شيخك أو إمامك، فإن الغضب قد يدعوك إلى المبالغة في إطراء من ذمه، وكذلك تقابل كلمات التنفير بكلمات الترغيب. وكذلك تجد الإنسان إلى تعديل من يميل إليه ويُحسِن به الظن أسرع منه إلى تعديل غيره. واحتمالُ التسَمُّح في الثناء أقرب من احتماله في الذمّ، لأن العالم يمنعه من التسمُّح في الذمّ الخوفُ على دينه لئلّا يكون غيبة، والخوفُ على عرضه، فإن مَن ذمَّ الناس فقد دعاهم إلى ذمِّه.

ومن دعا الناسَ إلى ذمِّه ... ذمُّوه بالحقّ وبالباطل (٢)


(١) "من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه" (ص ٤٠) لابن شاهين.
(٢) من أبيات في "الأغاني": (١٤/ ١٥٧)، وهو في "رسائل الجاحظ": (١/ ٣٥٥)، و"الحماسة البصرية" (٨٥٤) ونُسِب لغير واحد.