للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل مدار السنة عليهم وعلى مَنْ هو مثلهم أو دونهم. فكيف يُعْقَل أن يزعم يعقوب أنه لا يحتج بهم؟ !

وأما ثانيًا: فالعبارة بظاهرها ــ فضلًا عن حقيقتها ــ لا تعطي هذا المعنى، إذ لا يلزم من كون الراوي ليس بحجة أن لا يكون ثقة؛ لأن كلمة «حجة» أبلغ من كلمة «ثقة»، وقولهم: «فلان ليس بحجة»، وإن كانت معدودةً من صيغ الجرح، فليس مثلها قولهم: «فلان ثقة وليس بحجة».

وقد قال عثمان بن أبي شيبة في أحمد بن عبد الله بن يونس: «ثقة وليس بحجة» (١).

وروي عن أبي داود أنه سُئل عن رجل فوثقه، فقيل له: هو حجة؟ قال: الحجة أحمد بن حنبل (٢). ولا يخفى أن أبا داود يحتج بكثير جدًّا من الرواة غير أحمد بن حنبل.

وأما ثالثًا: فالذي يظهر من فحوى العبارة ــ مع ما قدمته ــ أن يعقوب لم يرد بقوله: «أتخذه عند الله حجة» الاحتجاج بروايته، وإنما أراد بها الاقتداء في العقيدة، والهدي، والسيرة، والفقه، والورع.

هذا، ولو وفق الأستاذ لما لا يبعد عن الصواب ذاك البعد، لقال: عبارة يعقوب إنما تعطي [ص ٣٠] أن العدد الذي ذكره من شيوخه «ألف شيخ وكسر» ثقات، ولا يلزم من ذلك أن يكون شيوخه كلهم ثقات؛ أما أولًا: فلأن العدد لا مفهوم له، فقوله: «كتبت عن ألف شيخ وكسر» لا يلزم منه أنه لم


(١) انظر «تهذيب التهذيب»: «١/ ٥٠).
(٢) رواه عنه الآجرّي. انظر «تهذيب الكمال»: (٣/ ٢٩٠)، و «تهذيب التهذيب» (٤/ ٢٠٧ - ٢٠٨) في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي.