وأما ثقة ابن المبارك بمحمد بن أعين واختصاصه له، واختياره لوصايته، فأقلّ ما يدلُّ عليه ذلك أنه كان عند ابن المبارك عدلًا غير مغفّل.
وأما أحمد بن حنبل، فمعروف أنه لا يروي إلا عن ثقة عنده. وعامرُ بن صالح الذي روى عنه هو عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة، [ص ٣٤] وهو مختلَف فيه، وثقه أحمد، وضعفه غيره.
وهذا لا ينافي أن أحمد لا يروي إلا عن ثقة، إذ المقصود:«عن ثقة عنده». وهذا هو معنى قولي:«ورواية الإمام أحمد عنه توثيق»، كما لا يخفى.
فغاية ما يخشى أن يخطئ أحمد، فيظنّ من ليس بثقة ثقة، لكن هذا خلاف الغالب. فإذا روى أحمد عن رجلٍ ولم يجرحه غيرُه، حُمِل على الغالب.
وهذا معنى ما في «فتح المغيث»(١٣٤)(١) قبيل الكلام في المجهول، الخلاف فيمن روى عنه ثقة، أيكون ذلك توثيقًا له؟ فقال:«والثالث: التفصيل، فإن عُلِم أنه لا يروي إلا عن عدل كانت روايته عن الراوي تعديلًا، وهذا هو الأصح عند الأصوليين ... ».
ثم قال:«تتمة: مَن كان لا يروي إلا عن ثقة ــ إلا في النادر ــ: الإمامُ أحمد، وبقي بن مخلد ... ».
وقوله:«إلا في النادر» يشير ــ والله أعلم ــ إلى من يخطئ فيه، فيروي عنه يراه ثقة، وهو عند غيره غير ثقة.