للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وارتداد زوجاته ونحو ذلك؛ وقس على ذلك الحزن لفرحه، وهذا مسقط للعدالة حتمًا.

فإن قيل: قد يفرح بذلك من جهة أنه يُحْزن عدوَّه، ومع ذلك يحزن من جهة مخالفته للدين.

قلت: إن لم يغلب حزنُه فرحَه فليس بعَدْل، وإن غلب فكيف يظن به أن يوقع نفسه في شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر، وفيها أعظم الضرر على نفسه في دينه، ولا يأمن من أن يلحقه لأجلها ضرر شديد في دنياه، كلُّ ذلك ليضر المشهود عليه في دنياه ضررًا قد يكون يسيرًا كعشرة دراهم؟ وهَبْه صحّ الردّ بالعداوة مع بقاء العدالة فالقائلون بذلك يشرطون أن تكون عداوة دنيوية تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، وهذا لا يتأتّى للأستاذ إثباته في أحدٍ ممن يتهمهم؛ لأنه إن ثبت انحرافهم عن أبي حنيفة وأصحابه وثبت أن ذلك الانحراف عداوة فهو عداوة دينية. وهب أنه ثبت في بعضهم أنها عداوة دنيوية فلا يتأتَّى للأستاذ إثبات بلوغها ذاك الحدّ، أي: أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه. وهبه بلغ، فقد تقدم أن الرواية لا تردّ بالعداوة. هذا على فرض مجامعة ذلك للعدالة، وإلا فالردّ لعدم العدالة.

[١/ ٤٢] وأما ما ذكره الشافعي في أصحاب العصبية (١)، فالشافعي إنما عنى العصبية لأجل النسب، كما هو صريح في كلامه. وذلك أمر دنيوي، وكلامه ظاهر في أنها بشرطها تسقط العدالة. ولا ريب أنه إذا بلغت العصبية أو العداوة إسقاط العدالة لم تقبل لصاحبها شهادة ولا رواية البتة، سواء


(١) في "الأم": (٧/ ٥١٢).