للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحاديث ظاهرة جدًّا في موافقة بدعهم أو صريحة في ذلك إلا أن لها عللًا أخرى. ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعَّفها أهل العلم، بعضها بضعف بعض مَن فوق الأعمش في السند، وبعضها بالانقطاع، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس. ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في "تاريخه الصغير" (ص ٦٨) (١) ووهَّنه بتدليس الأعمش، وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين.

هذا، وقد مرَّ تحقيق علة رد الداعية، وتلك العلة ملازمة أن يكون بحيث يحق أن لا يؤمَن منه ما ينافي العدالة. فهذه العلة إن وردت في كل مبتدع روى ما يقوّي بدعته، ولو لم يكن داعية، وجب أن لا يُحتج بشيء مِن مرويات مَن كان كذلك، ولو فيما يوهن بدعته؛ وإلاّ ــ وهو الصواب ــ فلا يصح إطلاق الحكم، بل يدور مع العلة. فذاك المروي المقوِّي لبدعة راويه إما غير منكر، فلا وجه لرده، فضلًا عن ردّ راويه. وإما منكر، فحكم المنكر معروف، وهو أنه ضعيف. فأما راويه فإن اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة، كرميه بتعمّد الكذب أو اتهامه به، سقط البتة. وإن اتجه الحمل على غير ذلك، كالتدليس المغتفَر والوهم والخطأ، لم يجرح بذلك. وإن تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول مَن هو أعرف منه، أو وقف. وقد مرَّ أوائلَ القاعدة الثانية (٢) بيان ما يمكن أن يبلغه أهل العصر من التأهل للنظر، فلا تغفل.


(١) (٢/ ٨٠٢ - ط الرشد) والصحيح أنه التاريخ الأوسط طبع خطأ باسم "الصغير".
(٢) (ص ٦١).