للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد لقيه وسمع منه، الظاهر منها السماع، والاستقراء يدلّ أنهم إنما يطلقون ذلك في السماع إلا المدلِّس.

أقول: فمُسْلِم يقول: الحال هكذا أيضًا في رواية غير المدلس عمن عاصره. والرواية عن المعاصر على وجه الإيهام تدليسٌ أيضًا عند الجمهور، ومَن لم يطلق عليها ذلك لفظًا لا ينكر أنها تدليس في المعنى، بل هي أقبح عندهم من إرسال الراوي على سبيل الإيهام عمن قد سمع منه.

هذا، وصنيع مسلم يقتضي أن الإرسال على أي الوجهين كان إنما يكون تدليسًا إذا كان على وجه الإيهام. ويوافقه ما في "الكفاية" للخطيب (ص ٣٥٧).

وذَكَر مسلم (١) أمثلةً فيها إرسال جماعة بالصيغة المحتملة عمن قد سمعوا منه، ولم تُعَدَّ تدليسًا ولا عُدُّوا مدلسين. ومحمل ذلك أن الظن بمن وقعت منهم أنهم لم يقصدوا الإيهام، وأنهم اعتمدوا على قرائن خاصة كانت قائمة عند إطلاقهم تلك الرواية تدفع ظهور الصيغة في السماع. وقد كنتُ بسطتُ ذلك، ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه. ولا يخالف ذلك ما ذكروه عن [١/ ٧٩] الشافعي أن التدليس يثبت بمرة (٢)، لأنا نقول: هذا مسلَّم، ولكن محلّه حيث تكون تلك المرة تدليسًا بأن تكون بقصد الإيهام. والأمثلة التي ذكرها مسلم لم تكن كذلك، بدليل إجماعهم على أن أولئك الذين وقعت منهم تلك الأمثلة ليسوا مدلسين.


(١) في مقدمة "صحيحه": (١/ ٣٣ - ٣٥).
(٢) انظر "الرسالة" (ص ٣٧٩) للشافعي.