فهذه النسخة كتبها ذاك الحافظ الثبت بخطه، وسمع فيها القزّاز وولده على الخطيب، وصُححت على نسخته. ولا أدري أكانت عند الابن نسخة أخرى مما سمع على الخطيب فكان يروي منها، أم كان قد استنسخ من هذه التي بخط شجاع الذهلي نسخةً أخرى قوبلت على الأصل، وكتب العلماء شهادتهم بذلك ونقلوا سماعه إلى نسخته الجديدة، وباع الأصل حتى صار لابن السمعاني. وعلى كل حال فالنسخة التي كانت عند القزاز صحيحة عن الخطيب، ولا شأن لها بنسخة عبد المحسن، ولا بالنسخة التي كانت عند ابن خيرون، ولا بنسخة ابن خيرون. ونسختا ابن الجوزي والكندي أستاذ المعظم مأخوذتان عن نسخة القزاز، ونسختا سبط ابن الجوزي والمعظم تبع لذلك، وكان المعظم ملكًا مسلَّطًا متعصّبًا، وصاحبه سبط ابن الجوزي جوّالًا متفانيًا في هواه، وهما أول مَن ردّ على الخطيب كما ذكر الأستاذ، ولعلهما قد وقفا على عدة نسخ أخرى، فلو عرفا أن بين النسخ اختلافًا في الموضع الذي ردَّا عليه؛ لما سكتا عن بيان ذلك.
فأما سكوت من قبلهما من علماء الحنفية عن الردِّ على الخطيب مع ردهم على غيره، فلأنهم أعقل منهما ومن الأستاذ، إنما ردوا على رسائل صغيرة من شأنها أن تشيع وتذيع. فأما ما في ذاك الموضع من «تاريخ بغداد» فرأوا أنه مدفون في كتاب كبير، لا يقف عليه إلا الأفراد، فتكلُّفُ الجواب إنما هو سعيٌ في انتشار ذلك واشتهاره، فعلموا أن السكوت أسلم. ولما خالفهم [١/ ١٠٨] الأستاذ وقع فيما تراه، وعلى أهلها تجني براقش!
وقد ذكر ابن عساكر نسختين أخريين انظر «تاريخ دمشق» (ج ١ ص ٤٥