يكفي المدلس أن يعرفَ عادتَه أهلُ العلم وإن جهلها غيرهم، فكذلك هذا، لأن الفرض على غير العلماء مراجعة العلماء؛ على أن العامة يشعرون في الجملة بما يدفع اغترارهم الذي هوَّل به الأستاذ، ولذلك كثيرًا ما نسمعهم إذا ذكر لهم حديث قالوا: هل هو في البخاري؟
فعلى هذا نقول في أبي نعيم ومَن جرى مجراه: إن احتمل أنهم لانهماكهم في الجمع لم يشعروا ببطلان ما وقع في روايتهم من الأباطيل، فعذرهم ظاهر. وهو أنهم لم يحدِّثوا بما يرون أنه كذب، وإنما يلامون على تقصيرهم في الانتقاد والانتقاء. وإن كانوا شعروا ببطلان بعض ذلك، فقد عُرفت عادتُهم، فلم يكن في ظاهر حالهم ما يوجب الإيهام؛ فلا إيهام، فلا كذب. فإن اغترَّ ببعض ما ذكروه مَن قد عرف عادتهم من العلماء بالرواية فعليه التَّبِعَة، أو مَن لم يعرف عادتهم ممن ليس من العلماء بالرواية فَمِن تقصيره أُتي، إذ كان الفرض عليه مراجعة العلماء بالرواية. ولذلك لم يجرح أهل العلم أبا نعيم وأشباهه، بل اقتصروا على لومهم والتعريف بعادتهم. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
قول الأستاذ:«وهو ممن يسوق ما يرويه بإجازة فقط مع ما سمعه في مساق واحد، ويقول في الاثنين: حدثنا».
أقول: يشير إلى ما في «تذكرة الحفاظ»(١): «قال يحيى بن منده الحافظ: سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النَّخْشَبي يقول: لم يسمع أبو نعيم «مسند الحارث بن أبي أسامة» بتمامه من ابن خلَّاد، فحدَّث به كلِّه».