للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسمعه منهم. وهكذا من يحدِّث على التوهُّم، فإنه قد يسمع من أقرانه عن شيوخه، ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه، فيرويها عنهم.

فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من شيوخه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما تحصل بأحد أمرين:

إما أن يكون الراوي ثقةً ثبتًا، فيُعرف صحيح حديثه بتحديثه. وإما أن يكون صدوقًا يغلط، ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى، كأن يكون له أصول جيدة، وكأن يكون غلطه خاصًّا بجهة كيحيى بن عبد الله بن بكير روى عنه [١/ ١٢٤] البخاري، وقال في «التاريخ الصغير» (١): «ما روى يحيى [بن عبد الله] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه» ونحو ذلك.

فإن قيل: قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح، فإنه إن كان يروي ما لا يرى صحته فأيُّ فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيحَ حديثه من سقيمه؟ لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري غير «الصحيح» أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يحكم هو نفسه بعدم صحتها؟

قلت: أما ما نَّبه على عدم صحته، فالخطب فيه سهل. وذلك بأن يُحْمَل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج، فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته. ويبقى النظر فيما عدا ذلك، وقد


(١) لم أجده في المطبوع منه، وهو مطبوع باسم «الأوسط» على الصحيح. والنص في «تهذيب التهذيب»: (١١/ ٢٣٨) والمؤلف صادر عنه.