للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذهب، ففكَّر أولئك السُّعاة في حيلة، فرأوا في طلبة العلم الذين كانوا يختلفون إلى الخطيب فتى صبيحًا، فتكلموا بين الناس بأن في اختلاف مثله إلى الخطيب ريبة، وربما اختلقوا ما يوقع الريبة عند بعض الناس، ثم قالوا للأمير: تأخذ الخطيب على أنك إنما أخذته بهذه التهمة التي قد تحدَّث بها الناس.

فإذا كانت الواقعة هكذا فهي معقولة، فقد يقع مثلها لأفضل الناس، ويُخبر بوقوعها له أعقلُ الناس وأحزمُهم إذا كان يعلم أن معرفتهم بحاله تحجزهم عن أن يتخرَّصوا منها ما يكره، ويحكي وقوعها لأستاذه أبرُّ الناس وأوفاهم، لكن ابن طاهر لما سمعها اصطبغت في فهمه ثم في حفظه ثم في عبارته بميله وهواه ورأيه الذي ألَّف فيه. ويؤيد هذا أن الرميلي لما حكى القصة سمَّى ذاك الفتى ولم ير في ذكر اسمه غضاضةً عليه، فلما حكاها ابن طاهر لم يسمِّه، بل قال: «قد سماه مكي وأنا نكَبتُ عن ذكره»؛ لأن لونها عند ابن طاهر غير لونها عند مكي. ولم يحتج ابن طاهر إلى تسميته كما احتاج إلى ذكر وقوع القصة للخطيب لتكون شاهدًا لابن طاهر على ما يميل إليه، كما استشهد بما حكاه عن ابن معين من قصة الجارية.

فتدبَّرْ ما تقدَّم، ثم استمِعْ لسبط ابن الجوزي وتصرُّفه! قال الذهبي في «الميزان» (١): «يوسف بن قِزُغْلي (٢) الواعظ المؤرّخ شمس الدين


(١) (٦/ ١٤٥).
(٢) (ط): «فرغلي» تصحيف، انظر في ضبطه «الأعلام»: (٨/ ٢٤٦) للزركلي، وحاشية الجواهر المضية (٢/ ٤٤١)، وترجمته فيها: «٤/ ٦٣٣ - ٦٣٥). وقِزُغْلي لفظ تركي معناه «ابن البنت».