للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أشار الشافعي في عدة مواضع من كتبه إلى زعم أهل العراق ضعفَ مالك في القياس. ففي «الأم» (ج ٤ ص ٦) (١): «أرأيت من نسبتم إليه الضعف من أصحابنا وتعطيل النظر وقلتم: إنما يتخرَّص، فيلقي ما جاء على لسانه ... ». وفيها (ج ٧ ص ٢٥٧) (٢): «فسمعت بعض من يفتي منهم يحلف بالله: ما كان لفلان أن يفتي، لنقص عقله وجهالته؛ وما كان يحلّ لفلان أن يسكت [يعني] آخر من أهل العلم». على أن المحاجَّة والملاجَّة التي تبلغ بالحليم الوقور أن تنتفخ أوداجه وتنقطع أزراره مظنةٌ للإسراف في القول.

قول الأستاذ: «على أن من اطلع على كتب محمد بن الحسن ... ».

أقول: قد سلف أنه ليس في تلك الرواية ولا غيرها نفيُ محمد أن يكون لأبي حنيفة علمٌ بالكتاب والسنة، وإنما في الروايات كلها أنه دون مالك في ذلك. فأما العلم بالسنة، فيكفي [١/ ١٥٥] في الشهادة لذلك الموازنة بين ما روى محمد عن أبي حنيفة وما روى عن مالك. وأما العلم بالكتاب، فإن كان في كتب محمد ما ينافي اعترافه، فالأستاذ أحوج إلى أن يجيب عن هذا جوابًا معقولًا.

ولقائل أن يقول: إن محمدًا لما ضايقه الشافعي، وسأله بالله عز وجل وناشده إياه، وشرط عليه الإنصاف= راجع نفسه، فلم يسعه إلا الاعتراف. ولعله جرى في بعض كتبه على الاسترسال في الميل إلى أبي حنيفة، والحق إن شاء الله تعالى أنه ليس في كتب محمد ما هو صريح في منافاة اعترافه.


(١) (٥/ ١٥٧).
(٢) (٩/ ٢٨) وما بين المعكوفين منه، وكان مكانه في (ط): «ــ».