للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبد العزيز بن الحارث (١) طعنُهم فيه، وتشنيعُهم عليه، وتشهيرُهم به بسبب حديثين نسبهما إلى «المسند»، وهم يرون أنهما ليسا منه. ولم يغمزوا ابن المُذهِب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما «المسند» و «الزهد» لسائر النسخ الصحيحة. فالكلام فيه وفي شيخه لا يقتضي أدنى خَدْش في صحة «المسند» و «الزهد»، فليخسأ أعداء السنة!

وأما الخبران اللذان ذكرهما الخطيب، فالذي يظهر لي أن ابن المُذْهِب كان يتعاطى التخريج من أصول بعض الأحاديث، فيكتب الحديث من طريق شيخ من شيوخه، ثم يتصفح أصوله؛ فإذا وجد ذاك الحديث قد سمعه من شيخ آخر بذاك السند كتَبَ اسم ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريجه، وهكذا، وهذا الصنيع مظِنَّة للغلط، كأنْ يريد أن يكتب [١/ ٢٣٦] اسم الشيخ على حديث، فيخطئ، فيكتبه على حديث آخر. أو يرى السند متفقًا، فيتوهم أن المتن متفق، وإنما هو متن آخر، وأشباه ذلك. وقد قال ابن معين: «من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح» (٢). وقال يعقوب بن سفيان في سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: «كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحوِّل، فإن وقع فيه شيء فمن النقل، وسليمان ثقة» (٣). والمراد بأصناف حماد وتحويل سليمان نحوُ ما ذكرتُ من التخريج. وكأنّ ابن المُذْهِب شعر بهذا من نفسه، ولذلك ضرب


(١) رقم (١٤٤).
(٢) انظر «التهذيب»: (٣/ ١٢).
(٣) انظر «التهذيب»: (٤/ ٢٠٨).