التروِّي فيما يقوله برأيه، لا اتهامًا له بتعمُّدِ الكذب والحكمِ بالباطل، بل لاحتمال أنَّ الحنَقَ حال بينه وبين التثبُّت. وبهذه القاعدة نفسها نعامل ما حكاه الأستاذ عن أبي بكر الرازي ــ إن كان ممن ثبتت ثقته وأمانته ــ فلا نقبلها منه بغير مستند، مع مخالفته لمن هو أثبت منه وأعلم بالحديث ورجاله. ولأمرٍ ما سَتَر الأستاذُ على نفسه وعلى الرازي، فلم يذكر الحديث ولا بيَّن موضعه (*)!
فأما قوله:«كان وقَّاعًا» فمن تصدَّى للجرح والتعديل والتنديد بمن يخالف السنة، احتاج [١/ ٢٥٦] إلى ما يسمِّيه الأستاذ وقيعة، وإنما المذموم أن يقع الرجل في الناس بما لا يراه حقًّا، أو بما لا يُعذَر في جهلِ أنه باطل.
وأما الانفراد بمناكير عن مجاهيل ــ إن صحَّ ــ فلا يضرُّه، وإنما الحَمْل على أولئك المجاهيل، ولا يترتب على ذلك مفسدة. ومثلُ ذلك ما يرويه عن الضعفاء، كالحديث الذي في ترجمته في «لسان الميزان»(١) سمعه من الساجي أبو داود وعَبْدان والبزَّار وغيرهم، رواه الساجي عن عبد الله بن هارون بن أبي علقمة الفَرْوي. وعبد الله هذا يقال له:«أبو علقمة الصغير» له ترجمة في «تهذيب التهذيب»(ج ١٢ ص ١٧٢). وفيها:«قال الحاكم أبو أحمد: منكر الحديث ... وقال ابن عدي: له مناكير ... وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: يخطئ ويخالف. وقال الدارقطني في «غرائب مالك»: «متروك الحديث». فإن كان ذاك الحديث منكرًا، فالحملُ فيه على الفَرْوي، كالأحاديث الأخرى التي أُنكِرَت عليه.