للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإرجاءَ، وردَّ السنة بالرأي، والقولَ ببعض مقالات الجهمية= كلَّ ذلك ضلالةً، من شأنها أن يشتدَّ ضررُها على الأمة في دينها ودنياها، ورَأَيا صاحبَكم وأتباعَه ــ مخطئين أو مصيبين ــ جادِّين في نشر ذلك، ولا تزال مقالاتهم تنتشر وتجُرُّ إلى ما هو شرٌّ منها، حتى جرَّت قومًا إلى القول بأن أخبار الآحاد مردودة مطلقًا، وآخرين إلى ردِّ الأخبار مطلقًا، كما ذكره الشافعي. ثم جرَّت إلى القول بأن النصوص الشرعية لا يُحتجُّ بها في العقائد! ثم إلى نسبة الكذب إلى أنبياء الله عز وجل وإليه سبحانه كما شرحته في قسم الاعتقاديات (١).

شاهدَ الثوريُّ والأوزاعي طرفًا من ذلك، ودلَّتهما الحالُ على ما سيصير إليه الأمرُ، فكان كما ظنَّا. وهل كانت المحنة في زمن المأمون والمعتصم والواثق إلا على يدي أصحابكم ينسبون أقوالهم إلى صاحبكم؟ وفي كتاب «قضاة مصر» (٢) طرف من وصف ذلك. وهل جرَّ إلى استفحال تلك المقالات إلا تلك المحنة؟ وأيُّ ضَرٍّ نزل بالأمة أشدُّ من هذه المقالات!

[١/ ٢٦٠] فأما سقوطُ مذهبيهما، فخِيرةٌ اختارها الله تبارك وتعالى لهما. فإن المجتهد قد يخطئ خطأً لا يخلو عن تقصير، وقد يقصِّر في زجر أتباعه عن تقليده هذا التقليدَ الذي نرى عليه كثيرًا من الناس منذ زمان طويل، الذي يتعسَّر أو يتعذَّر الفرقُ بينه وبين اتخاذ الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله= فقد يلحق المجتهدَ كِفْلٌ من تلك التبعات؛ فسلَّم الله تعالى الثوري


(١) (٢/ ٤٦٤ وما بعدها).
(٢) لمحمد بن يوسف الكندي (ص ٤٤٥ وما بعدها).