للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: وليَ أصحابكم قضاءَ القضاة، فكانوا يحرصون على أن لا يولُّوا قاضيًا في بلد من بلدان الإسلام إلا على رأيهم، فرغب الناس فيه ليتولوا القضاء. ثم كان القضاة يسعون في نشر المذهب في جميع البلدان.

ثالثًا: كانت المحنة على يدي أصحابكم، واستمرت خلافةَ المأمون وخلافةَ المعتصم وخلافةَ الواثق. وكانت قوى الدولة كلُّها تحت إشارتهم، فسعوا في نشر مذهبهم في الاعتقاد وفي الفقه في جميع الأقطار. وعمدوا إلى من يخالفهم في الفقه، فقصدوه بأنواع الأذى. ولذلك تعمدوا [١/ ٢٦١] أبا مُسْهِر عبد الأعلى بن مسهر عالمَ الشام وارثَ فقه الأوزاعي (١)، والإمامَ أحمد بن حنبل حاملَ راية فقه الحديث (٢)، وأبا يعقوب البُوَيطي خليفة الشافعي (٣)، وابنَ عبد الحكم وغيرَه من المالكية بمصر. وفي كتاب «قضاة مصر» (٤) طرف مما صنعوه بمصر. وفي ذلك يقول الشاعر يمدح قاضيكم بمصر:

ولقد بجستَ العلمَ في طُلَّابه ... وفجَرتَ منه منابعًا لم تُفْجَرِ

فحميتَ قولَ أبي حنيفة بالهدى ... ومحمدٍ واليوسفيِّ الأذكرِ

وفتى أبي ليلى وقولَ قريعهم ... زُفرِ القياسِ أخي الحِجاج الأنظرِ


(١) تأتي ترجمته [رقم ١٣٧]. وقد حُمِل إلى العراق، وهُدِّد بالقتل، ثم أودع السجن حتى مات. [المؤلف].
(٢) قصته معروفة. [المؤلف].
(٣) حُمل من مصر في القيود والأغلال، ثم أُودع السجن مقيدًا إلى أنصاف ساقيه مغلولةً يداه إلى عنقه إلى أن مات. [المؤلف].
(٤) للكندي (ص ٤٤٥ وما بعدها). وانظر «رفع الإصر عن قضاة مصر»: (٢/ ٣٨٧ وما بعدها) للحافظ ابن حجر.