أوائل سنة ثمان أن ابن عيينة أخطأ في حديثين، فعَدَّ ذلك تغيُّرًا، وأطلق كلمة
«اختلط» على عادته في التشديد.
وقد كان ابن عيينة أشهر من نار على عَلَم، فلو اختلط الاختلاط الاصطلاحيّ لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثيرٌ من أهل العلم وشاع وذاع. وهذا «جزء محمد بن عاصم» سمعه من ابن عيينة في سنة سبع، ولا نعلمهم انتقدوا منه حرفًا واحدًا. فالحق أن ابن عيينة لم يختلط، ولكن كبر سنُّه، فلم يبق حفظُه على ما كان عليه، فصار ربما يخطئ في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها، كحديثه عن أيوب. والذي يظهر أن ذلك خطأ هيِّن، ولهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة، ووثَّقوا ابن عيينة مطلقًا.
ومع هذا فالحكاية التي تكلَّم فيها الأستاذ، هي واقعة جرَتْ لابن عيينة أخبر بها، وليس ذلك من مظان الغلط. وراويها عنه إبراهيم بن بشار الرمادي من قدماء أصحابه. قال أبو عَوانة في «صحيحه»(ج ١ ص ٣٦٥): «كان ثقة من كبار أصحاب سفيان وممن سمع قديمًا منه».
ومناقب ابن عيينة في الكتب المشار إليها في ترجمة الثوري وغيرها (١). ومن ذلك: قال ابن وهب صاحب الإمام مالك: «ما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله من ابن عيينة». وقال الشافعي:«ما رأيت أحدًا من الناس فيه من آلة العلم ما في ابن عيينة، وما رأيت أحدًا أكفَّ عن الفُتْيا منه». وقال أحمد:«ما رأيت أحدًا أعلمَ بالقرآن والسنن منه».
(١) انظر «تقدمة الجرح والتعديل»: (ص ٣٢ - ٥٤)، و «تهذيب التهذيب»: (٤/ ١١٧ - ١٢٢).