للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال (ص ٦٤): «الخبر كذب ملفَّق، وخاصةً بهذا اللفظ (استتبت أبا حنيفة) لأن شريكًا إنما ولي القضاء بعد وفاة أبي حنيفة بخمس سنين». وقال بعد ذلك: «وشريك يكاد (١) يكون ممن لا يعرف ما هي الزندقة؟ ».

وقال (ص ١٠٨): «ولو فرضنا أن شريكًا قال هذا لكان آذى نفسه ... لأن أبا حنيفة وأصحابه على قولهم المعروف في الأشربة غير الخمر، كانوا يمنعون الناس من احتسائها بخلاف شريك ... فيكون شريك كأنه ما كان يعجبه منعُ أصحاب أبي حنيبفة من احتساء النبيذ، حتى تمنّى أن يكون في كل حيّ من الأحياء خمَّار لينتشي كما يشاء ... وشريكٌ ممن عُرِف بطول اللسان، وقد اضطربت أقواله في أبي حنيفة بين مدح وقدح، وقولُ أهل النقد فيه معروف، وحسابُه على الله».

أقول: أما القضية الأولى وهي في الإرجاء، فقد ذكرت المسألة في قسم الاعتقاديات (٢).

وأما حال شريك في نفسه، فمن أجلَّة العلماء وأكابر النبلاء. فأما في الرواية، فكثير الخطأ والغلط والاضطراب، فلا يُحتجُّ بما ينفرد به أو يخالف. ونَسَبه الدارقطني وابن القطان وعبد الحق إلى التدليس.

وأما قوله: «استتبت أبا حنيفة»، وقولهم له: «استتبتم أبا حنيفة؟ » فلا مانع من صحته. وقد جاء نحو ذلك عن سفيان الثوري. وحقيقة الاستتابة أن يقال للرجل: «تُبْ». فقد يقول العالم وإن لم يكن قاضيًا ولا أميرًا ذلك لغيره، وقد يجتمع عالمان أو أكثر على [١/ ٢٧١] واحد، فيقولون له: «تُبْ»، وقد يهدِّدونه بأنه إذا لم يتب رفعوه إلى الحاكم، وقد يُحضر الحاكمُ بعضَ


(١) (ط): «كان» والتصحيح من «التأنيب».
(٢) (٢/ ٥٥٥ فما بعدها».