للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو في الحديث بشيء». فقال الأستاذ: «جَزَرة على سعة علمه في الحديث كان بذيء اللسان مداعبًا أسوأ مداعبة. وهو القائل لمن رأى سوأته قد انكشفت: لا تَرْمَدْ عيناك أبدًا، بدل أن يخجل ويستتر. وقد قال مرة لمن سأله عن الثوري: كذَّاب. فكتب السائل قوله، فخاطبه أحدُ جلسائه مستنكرًا صنيعه: لا يحلُّ لك هذا، فالرجل يأخذه على الحقيقة فيحكيه عنك. فقال: أما أعجبَكَ؟ مَن يسأل مثلي عن مثل سفيان الثوري، يفكَّر فيه أنه (١) يحكي أو لا يحكي؟ كما في «تاريخ الخطيب» ٩/ ٣٢٦ و ٣٢٧. فيفيد جوابه هذا [١/ ٢٧٥] أنه ممن لا يُقبل قولُه في الأئمة، لضياع كلامه بين الهزل والجد. والعجب من هؤلاء الأتقياء الأطهار استهانتهم بأمر القذف الشنيع هكذا فيما لا يُتصوَّر قيامُ الحجة فيه، مع علمهم بحكم الله في القَذَفة. ولا يكون ذلك إلا من قلة الدين واختلال العقل».

أقول: قوله «بذيء اللسان» كلمة شنيعة لا مبرِّر لها. وقوله: «مداعبًا أسوأ مداعبة» إسراف لا مسوِّغ له، وقد ذكر أشهر ما يُحكى من مداعبة صالح، فليزِنْها القارئ وَلْيحكم أهي مما يسوغ لمثل الكوثري أن يقول في هذا الرجل الجليل: «بذيء اللسان مداعبًا أسوأ مداعبة»؟ ولفظ القصة: «كُنَّا نقرأ على صالح جزرة، وهو عليل، فتحرَّك، فبدت عورته، فأشار إليه بعض أهل المجلس بأن يجمع عليه ثيابه، فقال: رأيتَه؟ لا تَرْمَدْ عيناك أبدًا! » فلا يشك عاقل أنه بادر فاستتر، ولوضوح ذلك لم يحتج الراوي إلى ذكره. فأما الخجل فهو حال نفسية ليس في القصة دليل على عدمه، على أن الذين حضروا وثقَّلوا عليه في مرضه بطلب السماع أولى بأن يخجَلوا. فأما هو، فمريض معذور.


(١) كذا في «التأنيب» و (ط). وفي «التاريخ» بطبعتيه: «أن».