للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول الأستاذ: «ومن جملة نوادره: أن الأصمعي لما توفي ... »، فهذا من العجائب، كيف تكون من نوادره وقد مات؟ ! أوَ لم يستطع الأستاذ تخلُّصًا إلى ذينك البيتين اللذين هُجي بهما الأصمعي بعد موته لتعطّش الأستاذ إلى ذكرهما؟ والحكاية من رواية أبي العيناء، [١/ ٣٣٢] وحالُه معروف، يأتي له ذكر في ترجمة الإمام مالك (١)، مع أن تمام الحكاية: «قال أبو العيناء: وجذبني من الجانب الآخر أبو العالية الشامي فأنشدني:

لِلّاه درُّ بناتِ الدهر إذ فَجَعَتْ ... بالأصمعيِّ لقد أبقَتْ لنا أسَفَا

عِشْ ما بدا لك في الدنيا فلستَ ترى ... في الناس منه ولا مِنْ عِلْمِه خَلَفا

لم أورد هذه التتمة منكرًا على الأستاذ إعراضه عنها. ولكن كان الأجدر به ــ وهو يعلم أن هذه تمام الحكاية ــ أن يُعرض عن أولها، لئلا يكون ــ أو لئلّا يقال: إنه ــ ممن يُرضيه القول الزور الفاجر، ويُسخطه القول الصادق البار.

هذا وقد كان الأصمعي أوائل أمره يخالط الخلفاء والأمراء، ثم انقطع عن ذلك، ولزم بيته ومسجده، حتى إن المأمون الخليفة حَرَص جهدَه على أن يصير الأصمعي إليه، فأبى. فكان المأمون يجمع المسائل ثم يبعث بها إلى الأصمعي بالبصرة ليجيب عنها. وليس للأصمعيّ ذنب إلا أنه من أهل السنة. والله المستعان.


(١) رقم (١٨٣).