للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقول: الحديث في «الصحيحين» وغيرهما (١) من رواية جماعة عن مالك، ولا يبعد أن يكون عند مصعب أيضًا فلا يرويه عنه إلا البغوي. لكن يبعد جدًّا أن يكون الحديث كان عند البغوي من هذا الوجه العالي، فلا يرويه عنه إلا ابن بطة الذي حُمِل إليه وهو صغير، ولم يطل مقامه عنده. فالحكم بوهم ابن بطة في هذا واضح.

ولَنِعْم ما قال الذهبي في «الميزان» (٢): «إمام ذو أوهام ... ومع قلة إتقان ابنِ بطة في [١/ ٣٤٧] الرواية كان إمامًا في السنة، إمامًا في الفقه، صاحب أحوال وإجابةِ دعوة (٣) رضي الله عنه» (٤).

وعليك أن لا تقصر نظرك على هذه الأمور، فترى في اجتماعها واستضعافك لبعض الأجوبة ما يحملك على سوء الظن بابن بطة؛ بل ينبغي لك أن تنظر أيضًا إلى حاله في نفسه، وقدِّم قولَ ابن بَرهان المعتزلي نفسه: «لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة». وقولَ أبي حامد الدلوي الأشعري: « ... ولا رئي مفطرًا إلا في يوم الأضحى والفطر. وكان أمَّارًا بالمعروف، لم يبلغه خبرُ منكر إلا غيَّره». وقولَ العتيقي: « ... كان شيخًا صالحًا مستجاب الدعوة».


(١) البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣)، والترمذي (٢٦٥٢)، وأحمد (٦٥١١)، وابن ماجه (٥٢).
(٢) (٣/ ٤١٢).
(٣) (ط): «ودعوة».
(٤) وقال في «السير»: «قلت: لابن بطة مع فضله أوهام وغلط». وقال في «العلو للعلي الغفار» (ص ١٤١ طبع الأنصار): «صدوق في نفسه، وتكلموا في إتقانه». [المؤلف].