للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تلك الحكاية التي يستنكرها الأستاذ، ولا يضرُّه بعد ذلك أن لا يعرفه ابن أبي حاتم. وما أكثر الذين لم يعرفهم، وقد عرفهم غيره.

فأما قول [١/ ٣٥١] الأستاذ «فوجدناه باهتًا»، فأطال في محاولة توجيهه بما أشعر أنه يمتنع أن يقول مسلم: إن أبا حنيفة أعلم بالقضاء من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن أقدم جاهل على ذلك امتنع أن لا يُرفع إلى الحاكم ليقيم عليه حكم الشرع.

فأقول: أما امتناع القول، فإن كان المراد أن قائل ذلك لا يبقى مسلمًا فهذا لا يدفع هذه الحكاية. وإن كان المراد امتناع أن يقول ذلك إنسان ينتحل الإسلام، فهذا لا وجه له، فقد غلا كثير من منتحلي الإسلام في أفراد، فادَّعوا لهم العصمة أو النبوة أو الألوهية، وذلك معروف مشهور.

وقد حُكيت عن أبي حنيفة كلمات لا يبعد أن يسمعها بعضُ جهلةِ معظِّميه، فيتوهّم أن الأحكام التي مردُّها إلى القضاة بمنزلة الرأي في مصالح الدنيا كتدبير الحروب والمعايش. وقد قال الله تبارك وتعالى لرسوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] وجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» (١)، وأنه ربما كان يرى الرأي في تدبير الحرب، فيخبره بعض أصحابه بأن غيره أولى، فيرجع إلى قوله.

فمن تلك الكلمات ما حكي عنه في تلقِّيه من يذكر له حديثًا يخالف قوله بمثل: «من أصحابي من يبول قلتين. هذا حديث خرافة. لا آخذ به.


(١) أخرجه مسلم (٢٣٦٣) من حديث عائشة وأنس بن مالك رضي الله عنهما.