قال عن أبي يوسف: أعور بين عميان، بعد أن ذكر عنه من رواية البرقاني أنه قال: هو أقوى من محمد بن الحسن. والدارقطني هو الذي يذكر محمد بن الحسن في عداد الثقات الحفاظ حيث يقول في «غرائب مالك» عن حديث الرفع عند الركوع: حدث به عشرون نفرًا من الثقات الحفاظ منهم محمد بن الحسن الشيباني. كما تجد نص هذا النقل منه في «نصب الراية»(١/ ٤٠٨) كما سبق. وقد اعترف الدارقطني في رواية البرقاني بأن أبا يوسف أقوى من محمد، فيكون أبو يوسف حافظًا ثقةً وفوق الثقة عنده. فإذا قال في بعض المجالس في حق مثله: أعور بين عميان ــ كما حكى الخطيب ــ يكون قوله هذيانًا بحتًا وسفهًا صرفًا. فلو عارضه أحد [١/ ٣٦٠] أصحابنا قائلًا: بل هو الأعمى بين عُور، ما بعد عن الصواب؛ لأن الله سبحانه أعمى بصيرة هذا المتسافه في صفات الله سبحانه حتى دوَّن في صفات الله سبحانه ما لا يدوِّنه إلا مجسِّم، وهو حديث الشاب الجعد القطط، وحديث الإقعاد الذي يلهج هو به؛ كما أعمى بصيرة كثير من زملائه وهو معهم في الفروع، فإذن هو فاقد البصر في المعتقد كما أنه فاقد البصر في الفروع. ومن يكون فاقد البصرين يكون هو الأعمى بين أناس عُور لم يفقدوا إلا إحداهما بفقدهم التبصر في بعض الفروع فقط. راجع ما ذكره المحدث البارع الشيخ عبد العزيز الفَنْجابي الهندي مؤلف «نبراس الساري في أطراف البخاري» في حاشيته على «نصب الراية»(٣/ ٨) لتطلع على جلية أمر الدارقطني في الثقة والأمانة، نسأل الله السلامة».
والذي في تلك الحاشية مع إصلاح بعض الأخطاء: «من مارس كتابَه علم أنه قلما يتكلم على الأحاديث، إلا حديثًا خالف الشافعيَّ فيُظهِر عَواره، أو وافقه فيصححه إن وجد إليه سبيلًا. لا أقول: إنه يفعل ذلك بهوى النفس، ولكن إذا كان ثقةً ضعَّفه بعضهم، أو ضعيفًا فيه كلام لبعضهم، أو ضعيفًا وثَّقه بعضهم، أو وجد مجهولًا= لا يترقب، ويُظهر طرفه الموافق لإمامه ... وهذا محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى القاضي رجل واحد يوثقه في حديث