قاطعه قائلًا:«اسكت فقد أفسدت الشعر، وليس لابن المبارك ذنب بالعراق غير روايته عن أبي حنيفة».
قال الأستاذ:«ولو كان ابن مهدي يعلم أنه رجع عن الرواية عن أبي حنيفة لصارحه بذلك. ومثلُه في انحرافه عن أبي حنيفة واهتمامه بابن المبارك جديرٌ بأن يعلم رجوعه لو كان رجع. وكذلك لو صح رجوع ابن المبارك عن الأخذ والرواية عن أبي حنيفة ما صح لأبي تُميلة أن يمدح في مرثيته بكونه بصيرًا برأي النعمان، وأهل بلدة الرجل أعرف بأحواله».
[١/ ٣٨٧] الثاني: أن في «مسانيد أبي حنيفة» أحاديث كثيرة من طريق ابن المبارك عنه.
الثالث: كثرة ما يُروى من ثناء ابن المبارك على أبي حنيفة.
أقول: أما الوجه الأول فلا يخفى وهنه، فإنّ تَرْك ابن المبارك الروايةَ عن أبي حنيفة كان في أواخر عمره كما صرَّحت به الروايات، فقد لا يكون ذلك بلغ ابن مهدي حين أنشد المرثية، وقد يكون بلغه، ولكنه رأى أن الرواية قد وقعت، ووقع ما يترتب عليها من المفسدة، وتركُها بأخرة لا يمحو تلك المفسدة. ولم يكن المنشد في مقام الاحتجاج بأن ابن المبارك كان يروي عن أبي حنيفة حتى يحتاج ابن مهدي إلى أن يقول له: قد تركه بأخرة، وإنما سمع شعرًا فأنشده. وأبو تُميلة لم يُثْن على ابن المبارك بأنه كان يروي عن أبي حنيفة، وإنما أثنى عليه بأنه كان بصيرًا برأيه، والبصرُ بالرأي فضيلة على كلّ حال لا يُعاب بها أحد، وإنما يعاب الرغبةُ عن السنة وردُّها بالرأي، وكان ابن المبارك بحمد الله عز وجل بريئًا من ذلك أولًا وآخرًا.