للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نشأته كما في كتب المناقب، والصليب في قريش كان يتناول من الديوان في ذلك العصر ما يقيم به أَودَه».

أقول: الذي يَقْوى سندُه من تلك الحكايات: ما رُوي عن الشافعي أنه قال: «كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها مال، وكان المعلم يرضى من أمي أن أخلفه إذا قام. فلما جمعتُ القرآنَ دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث أو المسألة. وكانت دارنا في شعب الخيف، فكنت أكتب في العظم، فإذا كثرت طرحتُه في جرَّة عظيمة». والحكايات الأخرى في أسانيدها مقال، وهي مع ذلك لا تزيد على هذا. وهذا لا يصدق عليه كلمة «يعضُّه فقرٌ مُدقع»، فقد كانت له دار وكفاف في المطعم والملبس، وإلا لَمَا تركته أمه يطلب العلم، بل كانت تسلمه في حرفة. فإن كان يصل إليه من الديوان شيء فلا ندري ما قدره، وقد لا يكون يصل إليه شيء؛ لأن الأمراء كانوا ظَلَمة يصرفون بيت المال في أغراضهم [١/ ٣٩٨] وشهواتهم. وكان والد الشافعي كما تشير إليه بعض الروايات ممن خرج مع العلوية على العباسيين، ولذلك اضطر إلى الفرار بأهله من الحجاز إلى فلسطين حيث وُلد الشافعي. وكان الأمراء يتتبعون من كان كذلك بالقتل والسجن، فضلًا عن حرمان حقهم في بيت المال. وقد نال ذلك ذرية فاطمة عليها السلام، قال دِعْبِل:

أرى فيئهم في غيرهم متقسِّما ... وأيديهمُ من فيئهم صَفِراتِ (١)

وقال الكوثري في ما كتبه على «مغيث الخلق» (٢): «لم أر أحدًا قبل زكريا


(١) «ديوانه» (ص ٤١ - ت محمد يوسف نجم).
(٢) «إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغيث الخلق» (ص ١٩). وفيه: «نسب شافع».